• ×

07:27 صباحًا , الخميس 25 أبريل 2024

admincp
بواسطة  admincp

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
لقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الخَلْقِ بِرِسَالةِ نَبيِّ الأُمَّةِ، والرَّحْمَةِ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهَاشِميِّ القُرَشِيِّ، فَأَرْسَلَهُ للنَّاسِ كَافَّةً بَشِيراً ونَذِيراً، ودَاعِياً إِلى اللهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجَاً مُنِيراً. فَقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ) ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيرَاً ( [سبأ: 28]. وقَالَ سُبْحَانَهُ: ) وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وكَفَى باللهِ شَهِيداً ) [النساء: 79]. وقَالَ: ( إنِّا أَرْسَلْنَا إِليكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلى فِرْعَوْنَ رَسولاً ) [المزمل: 15]. وقال: ( يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدَاعِياً إِلى اللهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجَاً مُنِيراً ) [الأحزاب: 45]، وهذا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَرَحْمَتِهِ بِالخَلْقِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ( ومَا أَرْسَلنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107].
وقَالَ اللهُ سَبْحَانه:ُ ( لقَدْ مَنَّ اللهُ عَلى المُؤْمِنينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمْ الكِتَابَ والحِكْمَةَ وإنْ كَانوُا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) [آل عمران:164].
وقَدْ لاَقَا النَّبِيُّ -بِأَبِي هُوَ وأُمِّيْ- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدُودِ.. وصُنُوفِ الأذَى والبَلاءِ مِنَ المشْركِينَ واليهُودِ، فِي دَعْوتِهِ النَّاسَ للإسلامِ مَا لا يخْفَى على صِبْيانِ المسْلمِينَ وغِلْمَاِنِهمْ بَلْهَ عوامِّهِمْ ورِعَاعِهِمْ. ولَيْسَ جَدِيدَاً ولا بِدْعَاً من الحَدَثِ أَنْ يَعْمَدَ أَعْداءُ الإسلامِ من الصَّليبيينَ، ومختَلفِ مِللِ الكُفْرِ، إلى اسْتِهْدَافِ نَبِيِّنَا وحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ومحاولةِ المساسِ به-بأبيْ هُوَ وأُميْ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ؛ فمُنْذُ فَجْرِ الرِّسَالَةِ عُوُدِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وسَلَّمَ، والمسْلمُون، وحِيكَتِ المؤامَراتُ للصَّدِّ عن هذا الدِّينِ وإيذاءِ أَهْلِهِ، واللهُ غالبٌ عَلى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون. والملاحظُ أنَّ الأَخْلاَفَ يَسِيرُونَ على خُطَى أَسْلاَفِهِمْ حُذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، معَ اخْتِلافِ الأساليبِ وتنوعها؛ واللهُ جَلَّ وعَلَى قَدْ حَسَمَ كُلَّ محاولةٍ للنَّيلِ مِنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأَخْزَى أَصْحَابَهَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ( إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر ) [الكوثر:3]. وقال سبحانه: ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَن المُشْرِكينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ. الذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهَاً آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) [الحجر:94-96]. لهذا فِإنَّ عَلى أُمَّةِ الإِسْلامِ: تَوخِّي الحَذَرَ، والحِكْمةَ، والعَقْلَ، فِي التَّعاملِ مَعَ مُحَاولاتِ أَعْدَاءِ الإسْلامِ استدراجَ المسْلِمِينَ، واستفزازِ مَشَاعِرِهِمْ، وجَرْجَرةِ الغَيورينَ فِيْ الدِّفَاعِ عَنْ النَّبي الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، بِرُدُودِ أَفْعَالٍ لاَ تُشْرَعُ... وأَعْمَالٍ لاَ تَصْلُحُ.
وأُلْفِتُ النَّظَرَ هُنَا إِلى حَقَائِقَ ثَابِتَةٍ رَاسِخَةٍ لَاْ تَتَضَعْضَعُ وَلَاْ تَتَزَلْزَلُ، مَهْمَا حَصَلَ:
الأُوُلَى: نَبِيُّنَا وحَبِيبُنَا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، نبيُّ الأمَّةِ، آخِرُ الأنْبياءِ والرُّسلِ، وأَفْضَلُهُمْ وأَكْرَمُهُمْ. دَلَّ عَلى ذَلكَ القُرْآنُ والسُّنَّةُ، والتَّوراةُ، والإِنجيلُ في نصُوصِهِمَا الَّتِي لَمْ تُحَرَّف وتُبَدَّل وتُغَيَّر، عَلَى رُغْمِ أَنْفِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ.
الثَّانِيةُ: أقَرَّ القَاصِي والدَّاني قَدِيماً وحَدِيثَاً، بدءً بِصَنَاديدِ الشِّرك، وأَئَمِّةِ الكُفْرِ في زمنهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وانتهاءً بِالمنْصِفِينَ المتَأَخِّرِينَ، والمعَاصِرينَ مِنَ المثَّقَّفِينَ والمفَكِّرِينَ المسْتَشْرِقِينَ... بِصِدْقِ نُبُوَّةِ النَّبيِّ الأَكرمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-وإنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ- وخَضَعَوا لِفَضْلِهِ، وعَظَمَتِهِ، وسُمُوِّ خُلُقِهِ، وكَرِيمِ خِصَالِهِ، وعُلُوِّ مَكَانَتِهِ، وعَظَمَةِ شَرِيعَتِهِ، بَلْ عَدَّهُ المتأخِّرونَ مِن أَفَرَادِ عُظَمَاءِ رِجَالاتِ العَالمِ، وهي شهادةُ حَقٍّ؛ فلا مجال للشَّانئينَ مِنْ محَاولةِ النَّيلِ منهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، بِأَسَالِيبَ هَمَجِيَّةٍ رَخِيصَةٍ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ صِرَاعَ الحقِّ مَعَ البَاطِلِ، وتَرَبُّصَ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ بِأَهْلِهِ لَنْ يَزُولَ ويَنْتَهِي... وسَيَسْتَمِرُّ الأَعْدَاءُ في محاولاتِ نَيْلهِمْ من الإِسْلامِ والمسلمينَ مَا بَقَوا... لهذا على أَهْلِ الإِسْلامِ أَنْ يَكُونوا عَلى مُسْتَوى الحَدَثِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وبَعْدَهُ، وأَنْ يَتَعَامَلُوا معه بما يَقْتَضِيهِ العِلْمُ، والِحْكمَةُ المشروعَةُ.
الرَّابِعةُ: أَنَّ الإِعْراضَ عَنْ سَفَهِ السُّفَهَاءِ، واسْتِدْرَاجِ البُلَهَاءِ ِفي مُحَاوَلاتِهمْ الشَّانِئةَ لِلإِسَاءَةَ للنَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، مَقْصَدٌ شَرعيٌّ. أَلاَ تَرَى كَيْفَ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِهَذا، فقال سبحانه: ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرضْ عَنْ الجَاهِلينَ ) [المائدة:8]. وأَلاَ تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ( وإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلنْ يَضُرُّوكَ شَيْئَاً ) [المائدة:42]. وقوله سبحانه: ( أُولِئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ وقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغَاً ) [النساء:63]. وقوله: ( واللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وتَوَكَّلْ عَلى اللهِ وكَفَى بَاللهِ وكيلاً ) [النساء:81]. وقوله: ( وإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرهِ ) [الأنعام:68]. وقوله: ( خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ) [الأعراف:199].
الخَامِسَةُ: لاَ يَضُرُّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، ولاَ المسْلِمُونَ قَاطِبَةً مَا يُحَاوِلُ الأَعْدَاءُ نَشْرَهُ مِنَ الفِرَى والبَاطِلِ عَنِ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بَلْ ثَبَتَ أَنَّ ِفي ذَلكَ خَيْراً كَثِيراً؛ فَقَدْ تَسَبَّبَ ِفي إيقاظِ كَثيرٍ منَ المسْلِمِينَ الغَافِلِينَ، للوفاءِ بِحُقُوقِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ... كمَا كَانَ سَبَبَاً في دُخُولِ كَثِيرِينَ فِيْ الإِسْلاَمِ، ولله الحمد.
ولِهَذَا يَنْبَغِي عَلَى المسْلِمِينَ: التَّفطنُ لِلأغْراضِ السِّياسِيَّةِ، والفِكْريَّةِ، والعَقَائِديَّةِ، الَّتي مِنْ أَجْلِهَا يَتِمُّ بينَ الفينةِ والأُخْرَى مُحَاوَلةُ نَشْرِ مَا يُسِيءُ إِلى النَّبي الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والتَّعَامُلُ بِحِكْمَةٍ وعَقْلٍ مَعَ تِلْكَ المحَاوَلاتِ البَائِسةِ، وسُلُوكُ السُّبلِ المشروعةِ للرَّدِّ عَلى الشَّانِئينَ والحَاقِدِينَ: بالجِدِالِ والحِوارِ، بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ، وبالمقاضاةِ، والهَجْرِ، والمقَاطَعَةِ، وغَيْرِ ذلك، والبعدُ عَنْ رُدُودِ الأَفْعَالِ العَجْلَى... وكلُّ طَرِيقٍ غَيْرِ مُنْضَبِطٍ، وأُسْلُوبٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.
وفي الحقيقة: إِنَّ من أبلغِ الرُّدُودِ والدِّفاعِ عَنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: إِظْهَاُر المُسْلِمِ لشَعَائِرِ الإِسْلامِ، وإتباعُ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والتَّمسُّكُ بسنتهِ ظَاهِراً وبَاطِنَاً، عَقِيدةً وسلوكاً؛ فَلْيَنْظُرْ كُلٌّ مِنَّا حَالَهُ. واللهُ غَاِلبٌ عَلى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. والله وليُّ التَّوْفِيقِ.


- كلية التربية بالدوادمي

بواسطة : admincp
 5  0  1.6K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • ماهر البواردي

    بناء جميل جدا بنيان مرصوص هذا المقال الجميل باركانه الاربعه ولا انس الاستشهادات بكلام الخالق عز وجل لتثبت الحكمة فيما كتبت و اوجزت

    لمن يستصعب عليه قراءة الطويل من جميل الكلام فآخر سطرين قد اوجدت النهج الجميل والحل المنشود بما نراه من واقعنا

    جزاك الله خيرا بقدر حسناتك التي اكتسبت


    شيخنااسجل اعجابي بما كتبت


    اخوك


    ابوخالد

    23-09-2012 09:59 مساءً

  • ابومشاري

    أحسنت القول ،بارك فيك ، وجعل ما خطته يمينك في ميزان حسناتك
    وكما تذب عن رسول لله ، أسأل الله أن يذب عنك الأذى في الدنيا والآخرة
    وأن يقظ لك الله من يدافع عنك ويذب عنك في غيبتك
    أعجبني كل المقال .. وأعجبني صبرك على تشكيل الحروف كلها
    هذا عمل متكامل .. كملك الله بالإيمان وحسن الخلق .. اللهم آمين يا رحمن

    26-09-2012 04:13 مساءً

  • طالبة في كلية التربيه

    جزاك الله خير ياد.سامي على ماخطته أناملك,وجعله الله في موازين حسناتك,

    28-09-2012 01:01 صباحًا

  • أبو حسين

    السلام عليكم / شكرا لأخي الغالي وزميلي وأن فرقتنا الدنيا فسنجتمع . قلمك تكفى لا يقف
    فأعلم أن الكثير في قلبك خاصة وفي فكرك عامة بحر من النصائح فلا تبخل علينا .
    محبك في الله أخوك / أبو حسين لاتنسى وعدك ( بالزيارة ). وشكرا.

    02-10-2012 08:40 صباحًا

  • صريح

    هذا من أجمل ما قرات في الصحيفة منذ صدورها بل أكاد أجزام أنه أجمل ما كتب...

    مكسب لا يفرط به الدكتور سامي الخياط و آتمنى أن يتحفنا بكتاباته بين الفينه والأخرى في مواضيع رصينه وكتابات فذه و لأهداف سامية وعظيمة...

    وآتمنى من كتابنا الأعزاء أن يحذوا هذا النهج من حيث المبنى والمعنى ومن حيث التوقيت في الطرح فالدكتور سامي لم يطل على الصحيفة إلا هذه المرة والصحيفة لها قرابة السنة
    هذا ما نريده موضوع واحد رصين ولا عشرات مهلهله ...
    أشكرك مرة آخر دكتورنا الغالي وأدعوا لك بشفاعة رسوله الكريم والورود لحوضه والشرب منه
    آمين
    (صريح)

    06-10-2012 05:09 صباحًا

جديد المقالات

بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...


بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...