• ×

08:31 مساءً , الجمعة 19 أبريل 2024

admincp
بواسطة  admincp

في بيتنا كبير

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

في بيتنا كبير ، فيه جدي أو جدتي أو الأم أو الأب الذي كان يوما من الأيام يذهب إلى عمله كل صباح ، إلى وظيفته أو دكانه أو مزرعته ، يذهب إلى السوق ويمضي فيه الساعات الطوال ، يشتري هذا وينتظر قدوم بضاعة أجود من المعروض حرصا منه علينا ، ويتفقد حاجات بيتنا ، يتوقع الشيء الذي نقص فيكمله أو يضيف عليه حتى لا ينتهي في وقت حاجته ، كان يستدين وكان ينام مهموما وكان يصبح منشغلا بنا .

جدتي وجدي إذا كانوا بصحة وعافية ، يمضون وقتاً من النهار هنا وهناك ، ما بين زيارة تفقد لأحوال الجيران وسكان البلد والمعارف ، وما بين الاستمتاع بوقت الفسحة الحرة التي يمضونها فيما يفيدهم ويفيد أولادهم .

لكن الأيام تتعاقب وتطوي من عاشها وتضعفه ، و لا تبقى الحال على ما هي عليه ، فالخطى تقصر والأجساد تثقل ، والعمر مع التقدم يغرس أنياب الضعف والعجز فيمن عاش عمقه ونهاية أيامه .

ذلك الكبير الذي كان الأفق مجالا لبصره يستمع بمناظره ويبتهج برؤيته ، وأيضا كل الميدان مسرحا لخطواته يتنقل فيه ويسره تتبع أخباره ، أصبح مجاله منكمشا في داره ينتظر من يخبره عن العالم خارج بيته ، يكاد يختنق من الوحدة ، يريد معرفة مالذي يجري من حوله ، ومن الصعب عليه أن يقبل وبكل بسهولة قطع الصلة التي تعودها وتواجده الدائم في بيئته الاجتماعية والجغرافية التي عاشها .

إنه يتشبث والحالة تلك والشوق إلى ماضيه يشده ، يتشبث بولده وبقريبه وبزائريه وبجيرانه وبمعارفه الذين يفترض أن ينقلونه ليكون كما كان ، أو ينقلون له ما يرون وما يجري في المكان وعبر الزمان .

جدي وجدتي إذا ينظرون إلينا بعين الأمل فينا أن نكون لهم الأقدام التي سارت بهم يوما من الأيام ، والأبصار التي أبصروا بها والسمع والاهتمام بمن حولهم.

يريدوننا إيجابيين من ناحيتهم ، لا سلبية أفعالنا تجاههم ، إنهم كانوا يدخلون علينا بكل جديد طيلة حياتهم فلماذا لا ندخل عليهم بكل جديد في وقت حاجتهم لنا .

بعض منا يمارس الغفلة والعقوق إن صحت الكلمة ، فهو يدخل على ذلك الكبير من أقربائه وينشغل بجواله ويضحك من كل بعيد لم يضحي أصلا يوما من الأيام من أجله ، ويترك هذا المسن يلتمس التفاته شاردة يأنس بها ، وقد لا يجد ، وقد يتعاقب على هذا الجد المسكين أو الجدة عدد من الأولاد لكن بقلوب مفرغة من العواطف لا يحسون بضيق حبسهم وضجرهم بين تلك الجدران ، ولا يردون لهم جميل تضحيتهم أيام كانوا منطلقين يجلبون للبيت كل إسعاد وسعادة.

يعيش بعض الأولاد لأنفسهم فقط وهذا ضرب من الأنانية بل يندرج ضمن ما نسميه الجحود.

أحببت نشيدا قاله طفل يدرس في الابتدائية يقول فيه:
أنا أحب بيتنا ** لأن فيه جدنا
وفيه أمي و أبي ** وفيه أختي وأنا

أقول لهذا الطفل المنشد لكلمات الحب الصادق والجميل الذي يقطر عاطفة نحو أعز ما لدينا وهم أهلنا وأجدادنا ، ليكن نموك ونشأتك دوما مروية بماء الحب دوما ولا تتناسى هذا عندما تكبر فتنشغل عن كبار السن بنفسك وجوالك وأصدقائك الافتراضيين عبر التقنية التي سرقت من البعض أدبه ووفاءه وفطنته.

لا تدخل على جدك وجدتك جسدا ميتا جامدا كالبلاستيك بلا تفاعل معهم ، أعطهم وقتك وعقلك وقلبك وكلك فقط أعطوك كل شيء ولا يريدون من سوى الإحساس بهم .

بواسطة : admincp
 4  0  1.7K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • ابوعلي

    ليت الجميع يدرك ذلك ولكن الواقع الذي يعيشه غالبية كبار السن هي عيشة من انتهت صلاحيته واصبح عبئا على هذه العائلة وقد يوضع في احدى ملاحق البيت لترعاه الخادمة واو السائق . وتتوقف سواليف الشباب عند حضورة وهم يتغامزون اصبر حتى يروح الشايب وناخذ راحتنا .
    لا اعتقد ان من البر توفير المسكن والمأكل فقط
    ولكن البر هو الجلوس معهم والأستماع لهم والخروج بهم وجعلهم يرون الحياة كما كنت تراها معهم وانت طفل .

    27-08-2013 01:38 مساءً

  • ماهر البواردي

    أخي الفاضل الحبيب أبو عبدالله

    طرح جميل جداً متلمساً لألم الكبار وفاتحاً نافذة الحقيقة المُرّة لواقعنا. الأبن حينما يرى أبيه كيف يعامل أبوه يتبعه نهجاً وسلوكاً. حينما يهتم الأب بأبيه سوف تجد الأحفاد كذلك. القدوة هي الأساس.

    الجد والجدة هم تاريخ المنزل وهم إرتباطه بالماضي، لديهم الكثير ليحكوا عنه ويسردوا تجاربهم. الإستماع اليهم يسعد قلوبهم ويفرحهم. يعشقون أن تذكرهم بماضيهم وتذهب بهم إلى أماكن لهم فيها ذكريات.

    والدنيا( سلف ودين) وهذه الرسالة للأم والأب الذي لهم أباء وأمهات على قيد الحياة ، بروا بهم لكي يبروا بكم أبنائكم. والشواهد كثيرة في حياتنا


    والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته

    28-08-2013 11:49 صباحًا

    • ناصر عبد الله الحميضي

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      الأجمل مرور قلمك وتشريفك المقال ، ومثل ما تقول ولا زيادة عليه : بروا آباءكم تبركم أولادكم ، أبناءكم وبناتكم ، والتربية بلا شك هي بالنمذجة وتقديم النموذج الواقعي التطبيقي ، فكما يرون فينا تجاه آبائنا سوف يطبقونه فيما بعد ، وأما الكلام النظري الذي يقال في التربية فلا قيمة له تذكر إلا مجرد معلومات لا تصل إلى العمق من نفوس الأولاد
      أجدادنا وآباؤنا هم رصيدنا الثمين ونحن امتداد لهم ، ولحظة من إسعادنا لهم تساوي الدنيا وما عليها
      تقديري لك يا أبا خالد . سرني مرورك وأسعدتني مشاركتك الطيبة

      29-08-2013 12:22 صباحًا

  • ناصر عبد الله الحميضي

    المشاركة التالي كتبت بواسطة ( ابو علي )

    [ ليت الجميع يدرك ذلك ولكن الواقع الذي يعيشه غالبية كبار السن هي عيشة من انتهت صلاحيته واصبح عبئا على هذه العائلة وقد يوضع في احدى ملاحق البيت لترعاه الخادمة واو السائق . وتتوقف سواليف الشباب عند حضورة وهم يتغامزون اصبر حتى يروح الشايب وناخذ راحتنا .
    لا اعتقد ان من البر توفير المسكن والمأكل فقط
    ولكن البر هو الجلوس معهم والأستماع لهم والخروج بهم وجعلهم يرون الحياة كما كنت تراها معهم وانت طفل . ]
    أحسنت وبارك الله في قلمك وعلمك ونفع بك
    ليت من يقرأ هذه المشاركة يجعلها رسالة يقولها لزملائه من الشباب ويوصيهم بها ويكررها عليهم
    فالملاحظة على البعض أنهم غافلون وفيهم خير كثير لكن يحتاج لجرعات من التوعية
    تقديري لك أبا علي .. والله يخلي لك علي

    28-08-2013 03:37 مساءً

  • ابراهيم العبد الكريم

    يشكر الأستاذ ناصر ، وكم هو جميل بنا أن نغتنم حياتهم ، ونحسن التعامل معهم ، ونشعرهم بامتناننامنهم ، وتقديرنا لهم ، وسيأتى يوم نتمنى وجودهم ، وندرك أننا قصّرنا فى تعاملنا معهم .

    01-09-2013 10:40 مساءً

    • ناصرعبدالله الحميضي

      أخي إبراهيم آل عبد الكريم ، شاكر ومقدر حضورك بالمشاركة الطيبة وبالفعل مثل ما تقول : [ سيأتى يوم نتمنى وجودهم ، وندرك أننا قصّرنا فى تعاملنا معهم . ]
      كل التقدير لك

      02-09-2013 02:51 مساءً

جديد المقالات

بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...


بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...