• ×

04:27 مساءً , الجمعة 19 أبريل 2024

محمد بن عبدالله الحسيني
بواسطة  محمد بن عبدالله الحسيني

الحاسد والمحسود: أنام ملء جفوني عن شواردها .. ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.
.
.
.
.
.
تأملت هذا البيت المعبر لأبي الطيب المتنبي فوجدته يلامس قضية استشرت في مجتمعاتنا تحمل عنوان "الحسد" تغذيها مشاعل الحقد والنظر إلى ما في أيدي الناس، رغم أن كلمات البيت تعبر عن عدم مبالاة المتنبي لمن ينتقدونه ليل نهار ، ويعيبون قصائده ، ويسهرون الليل لتتبع مثالبها وثغراتها فيما هو ينام قرير العين ، غير عابئ لكل هؤلاء.

وهذا بالضبط حال الحاسد والمحسود عندنا ، فالأول وهو الحاسد لا يشغله في الدنيا سوى التفكير في أحوال الناس ، ومن نجح ومن فشل ، ومن بنى ومن هدم ، ثم تراه يتضايق وتظهر عليه الهموم إذا كان يعرف صديقاً أو قريباً ميسور الحال ، أو ناجحاً في عمله ، فلا يتركه إلا وهو يوجه إليه سهام الحقد والحسد ، وكأنه من يدفع له رزقه، أو يساعده في اجتياز المصاعب ، أو يعينه على حل المشاكل التي تواجهه ، ويظل طوال الليل مهموماً يفكر في ذاك الرجل ، وكيف يمكن أن يراه وقد فقد عزه ومجده.

أما المحسود فلا علم له بكل ذلك، فهو في نهاره يؤدي فروضه ، ويعمل بهمة ونشاط ، ساعياً للرزق الحلال ، مفكراً في ما يجب عليه عمله ، مستعيناً في ذلك كله بربه ، ثم بما وهبه من عقل وذكاء ، ثم يعود إلى منزله بالليل فيجلس مع أسرته ليقضي حقهم ، ويلبي طلباتهم ، وهو في كل ذلك لا يشعر ولو بلمحة عابرة بهذا الحاسد الذي قد تصيبه الأمراض كمداً ، وهو يرى المحسود نازلاً من سيارته لا يلتفت يمنة أو يساراً، ولا يحس بوجوده ، ولا يعيره اهتماماً.

لست في هذا المقال بحاجة إلى الحديث عن التنفير من الحسد وبيان عاقبته ، ففي القرآن الكريم سورة كاملة تتحدث عن الحسد والاستعاذة منه ، لكني أجد نفسي متحيراً في نفسية ذاك الحاسد ، وما الذي يجنيه من حسده للناس ، وتفكيره في ما في أيديهم ، في حين قد يكون لديه أفضل مما عندهم .. وأجدني أتساءل كلما قابلت أحدهم عن السر الذي يدفعه لإصابة نفسه بالأمراض ، وكل ذلك لأجل غاية لن يدركها أبداً، فالله سبحانه من يقسم الأرزاق ، والمناصب في الدنيا ، ولن يقف في وجه ذلك حسد حاسد أو أمنية حاقد.


إن من يقرأ القرآن الكريم جيداً ويتدبر آياته سيجد أن تأكيد الله سبحانه على أنه وحده من يملك حق بسط الرزق لمن يشاء من عباده لم يأت في موضع واحد ، بل في تسعة مواضع مختلفة ، وذلك على النحو التالي :

-(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ﴿سورة الإسراء - ٣٠﴾

-(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ﴿ سورةالرعد - ٢٦﴾

-(وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ) ﴿سورة القصص - ٨٢﴾

-(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) ﴿ سورةالعنكبوت - ٦٢﴾

-(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ﴿ سورةالروم - ٣٧﴾

-(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ﴿ سورةسبأ - ٣٦﴾

-(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) ﴿ سورةسبأ - ٣٩﴾

-(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ﴿ سورةالزمر - ٥٢﴾

-(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)﴿سورة الشورى- ١٢﴾

وإذا كان الوضع هكذا فلماذا يتعب الحاسد نفسه في شيء لا يملك تحقيقه ؟ ولماذا يشغل نفسه بغيره إلى الحد الذي يجعله ينسى نفسه وأهله وعمله ، ولا يكون همه وشاغله سوى حياة من يحسدهم ؟ .. هل يملك أحد إجابة لهذا السؤال ؟

بواسطة : admincp
 2  0  2.2K


الترتيب بـ

الأحدث

الأقدم

الملائم

  • خالد العثمان

    كفانا الله واياكم شر الحسد والحاسدين

    22-06-2016 04:17 صباحًا

    الرد على زائر

  • الجوهره عبدالله

    الموضوع جيد من ناحية التعبير ومن ناحية احتوائك للظاهره المنتشره بين الناس وكثرتها في الآونه الأخيره وهي الحسد ، الله يعافيهم ولا يبتلينا مما ابتلاهم ، الله يحفظك يا اخ محمد ويسدد خطاك لما فيه الخير لمجتعنا خاصه والمسلمين عامه.

    23-06-2016 03:06 صباحًا

    الرد على زائر

جديد المقالات

بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...


بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...