• ×

03:32 مساءً , الجمعة 29 مارس 2024

admincp
بواسطة  admincp

فيروز ، أراحنا من تشويه المقص

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
كانت شقراء فيما مضى هي أقرب مدينة كبيرة نزورها من بلدتنا القصب ، تلك البلدة الحالمة الوادعة في فسحة من الأرض شرقي الوشم قبالة مفيض العتش بين الكثيب الأحمر والجبل.
بلدتنا تلك توفر لنا دكاكينها الصغيرة كل ما نحتاجه ما عدى الخدمات فلا يوجد فيها خياط للملابس ولا يوجد فيها حلاق ، ولا تعرف المطاعم أو القهوة ، ولا يوجد فيها ازفلت ولا حتى تعليم غير المرحلة الابتدائية ، التي من يتخرج منها فعليه أن يرحل إلى الرياض أو شقراء وكأنه في بعثة خارجية فتنقطع أخباره عن أهله على الأقل مدة أسبوع .
صحيح أننا نراها أم الدنيا كما يقولون ، وكنا أطفالا نظن بأنه لا يوجد في العالم شبيها لها وأن ما عداها يخلو حتى من الدكاكين الصغيرة ، بدليل أن جموعا من البادية تفد إلى القصب وتملأ السوق بمنتجاتها المعروفة آنذاك وخاصة السمن والإقط والأغنام والصوف ، ويتبضعون من التمر والقهوة والقماش وغيره .
بهذا استدللنا على أنه لو كان في العالم غيرنا لذهب أهل البادية ليشتروا من ذلك الغير ، لكن لا يوجد بلدان إلا نحن ، وأنه لا يوجد أحد خلف الجبل ولا خلف النفود ، ربما تكون في نظرها نهاية الأرض وما بعدها بحر الظلمات المذكور في الحكايات .
هكذا تفكير الأطفال ، وهذا حدود رؤاهم ، ولا يوجد وقتها وسائل تكرر المعلومات وتنشرها ، وفي الوقت نفسه لا توجد دوافع لدينا للتعرف على عوالم أخرى ، فلدينا اكتفاء ذاتي وقناعة في كل شيء وقد يبقى الشخص في قريته أو مكانه من الصحراء سنوات طويلة لا يغادرها ، ولا يضره ذلك شيئا ، حتى أن بعض كبار السن ولدوا وعاشوا طيلة أعمارهم في قرى لم يغادروها حتى غادروا الدنيا بأسرها.
المهم تغير الوضع بعدما صار لدينا انفتاح على العالم الخارجي من خلال تخريج دفعات متتالية من المرحلة الابتدائية ، وصار الطلاب يسجلون في المعهد العلمي والمتوسطة في شقراء ، وبدأ الطريق الترابي الرابط بيننا وبين شقراء سالكا ، وأغلب المواصلات المستخدمة هي الدراجات النارية أو السيكل .

أول شيء تعرفنا عليه هي خدمات تفصيل الملابس لدى عدد قليل جدا من الأخوة اليمانية في شقراء ، قبالة المستشفى ، على أنهم ليسوا بتلك الأهمية الكبيرة والتي تتطلب حضور الشخص نفسه بشحمه ولحمه ورأسه فيمكن إرسال ثوب من ثياب أحدنا والتفصيل بمقاس الثوب دون حضور صاحبه ، لكن الأهم من الخياط هو الحلاق ، الذي لا بد من حضور الشخص برأسه لا ينوب عنه غيره ، وكان وقتها حلاق يدعى ( فيروز ) وهو رجل باكستاني فيما أظن ، وأقول فيما أظن لأننا وقتها لم نتعرف على تعدد الجنسيات ولا نميز بين هذا وذاك ، وكنا لا نعرفهم إلا أهل بلدنا ، أما البقية فنطلق عليهم مسمى ( أجنبي ) حتى ولو كان من بلدة مجاورة .

المهم أن فيروز قدم لنا خدمة كبيرة أراحتنا من تكرار الحلاقة بالموسى والذي يحدث في الجسم قشعريرة وبردا مدة يوم أو يومين أثر الحلاقة به ، والأسوأ منه الحلاقة بالمقص الذي كان له أعمال تشبه حفريات الشوارع اليوم ، والذي مهما كان صاحبه حاذقاً إلا أن الرأس بقص المقص يظهر مشوهاً .

أما فيروز فهو يسلم لنا رأسا جميل المظهر نفتخر به حتى موعد الحلاقة القادمة التي قد تمتد أربعة أو خمسة شهور قادمة إن لم تزد.

وما يقلقنا من الطريق الترابي الذي نعبر من خلاله إلى مدينة الأحلام والعلم ومقصد الناجحين شقراء ، هو بعض بيوت الشعر لأهل البادية الذين ينزلون حول جادة الوصول ، والتي لا تخلوا من الحراسة المشددة من الكلاب التي إن صادفنا المرور قبالتها وقت المغيب كانت مشابهة لأفلام الرعب تبقى في الذاكرة على شكل أحلام مزعجة ولم نتعود ولا نعرف طريقة التعامل معها .إلا بشد العزم والسرعة حتى ينقطع الصوت المخيف عن مسامعنا.

ولدينا أحد المعلمين من أهالي شقراء ، يذهب مع الطريق نفسه نهاية دوام الخميس ويبقى في مسقط رأسه شقراء مستقلا ( السيكل ) المسافة بالطبع 32كيلو متر يقضي عطلة الأسبوع بين أهله ، ولكم أن تتصوروا المشقة عليه وتيقن ولائه لبلده وأهله ، والراتب وقتها لا يتعدة 200 ريال ، إنه معلمنا : عبد الرحمن الشويعر .

ذكريات لم تطويها عقارب الزمن ولم تخفيها أعاصير الحياة ، ولم تطمسها حركة الأيام ، لأنها حفرت في ذاكرة الاشتياق والمحبة والبراءة .

بواسطة : admincp
 0  0  1.6K


جديد المقالات

بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...


بواسطة : عبدالله عبدالرحمن الغيهب

. اليوم ١٨ ديسمبر يوافق اليوم العالمي للغة...