• ×

04:07 مساءً , الجمعة 26 أبريل 2024

محمد بن عبدالله الحسيني
بواسطة  محمد بن عبدالله الحسيني

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
تأملت هذا البيت: أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهر الخلق جرّاها ويختصم. لطيب الذكر أبو الطيب المتنبي فوجدته يلامس قضية استشرت في مجتمعاتنا تحمل عنوان "الحسد" تغذيها نيران الطمع والنظر إلى ما في أيدي الناس، رغم أن كلمات البيت تعبر عن عدم مبالاة المتنبي لمن ينتقدونه ليل نهار، ويعيبون قصائده، ويسهرون الليل لتتبع مثالبها وثغراتها فيما هو ينام قرير العين، غير عابئ لكل هؤلاء.

وهذا بالضبط حال الحاسد والمحسود عندنا، فالأول لا يشغله في الدنيا سوى التفكير في أحوال الناس، ومن نجح ومن فشل، ومن بنى ومن هدم، ثم تراه يتضايق وتظهر عليه الهموم إذا كان يعرف صديقاً أو قريباً ميسور الحال، أو ناجحاً في عمله، فلا يتركه إلا وهو يوجه إليه سهام الحقد والحسد، وكأنه من يدفع له رزقه، أو يساعده في اجتياز المصاعب، أو يعينه على حل المشاكل التي تواجهه، ويظل طوال الليل مهموماً يفكر في ذاك الرجل، وكيف يمكن أن يراه وقد فقد عزه ومجده.

أما المحسود فقد أشغله شأنه عن شؤون الآخرين، فهو في نهاره يؤدي فروضه، ويعمل بهمة ونشاط، ساعياً للرزق الحلال، مفكراً في ما يجب عليه عمله، مستعيناً في ذلك كله بربه، ثم بما وهبه من عقل وذكاء، ثم يعود إلى منزله بالليل فيجلس مع أسرته ليقضي حاجاتهم، ويلبي طلباتهم، وهو في كل ذلك لا يشعر ولو بلمحة عابرة بهذا الحاسد الذي قد تصيبه الأمراض كمداً، وهو يرى المحسود نازلاً من سيارته لا يلتفت يمنة أو يساراً، ولا يحس بوجوده، ولا يعيره اهتماماً تاركاً الخلق للخالق، قال الإمام علي كرم الله وجهه الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له.

لست في هذا المقال بحاجة إلى الحديث عن التنفير من الحسد وبيان عاقبته، لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله، ومن الحسد ما قتل، ففي القرآن الكريم سورة كاملة تتحدث عن الحسد والاستعاذة منه، لكني أجد نفسي متحيراً في نفسية ذاك الحاسد، وما الذي يجنيه من حسده للناس، وتفكيره في ما في أيديهم، في حين قد يكون لديه أفضل مما عندهم.. وأجدني أتساءل عن السر الذي يدفعه لإصابة نفسه بالأمراض، وكل ذلك لأجل غاية لن يدركها أبداً، فالله سبحانه من يقسم الأرزاق، والمناصب في الدنيا، ولن يقف في وجه ذلك حسد حاسد أو أمنية حاقد.

إن من يقرأ القرآن الكريم جيداً ويتدبر آياته سيجد أن تأكيد الله سبحانه على أنه وحده من يملك حق بسط الرزق لمن يشاء من عباده لم يأت في موضع واحد، بل في تسعة مواضع مختلفة، وهي:

-(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) «سورة الإسراء - ٣٠»

-(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) «سورة الرعد - ٢٦»

-(وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ) «سورة القصص - ٨٢»

-(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) «سورة العنكبوت - ٦٢»

-(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) «سورة الروم - ٣٧»

-(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) «سورة سبأ - ٣٦»

-(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) «سورة سبأ - ٣٩»

-(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) «سورة الزمر - ٥٢»

-(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)«سورة الشورى- ١٢»

صدق الله العظيم.

وإذا كان الوضع هكذا فلماذا يتعب الحاسد نفسه في شيء لا يملك تحقيقه؟ ولماذا يشغل نفسه بغيره إلى الحد الذي يجعله ينسى نفسه وأهله وعمله، ولا يكون همه وشاغله سوى حياة من يحسدهم؟.. هل يملك أحد إجابة لهذا السؤال؟

يقول أبو الليث "يصل الحاسد خمس عقوبات في الدنيا: أولها غم لاينقطع، وثانيها: مصيبة لا يؤجر عليها، وثالثها: مذمة لا يحمد عليها، ورابعها: سخط الرب، وخامسها: يغلق عنه باب التوفيق.

 0  0  1.8K


جديد المقالات

بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...


بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...