• ×

12:19 مساءً , الجمعة 19 أبريل 2024

عبدالله بن ناصر المجيول
بواسطة  عبدالله بن ناصر المجيول

علوتَ قدراً ومهابة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.
.
image

ما أصعبَ تسطير المشاعر لرجلٍ أحبّه الجميع ، أو أن تكتب عن أحدٍ قد كتب عنه المتميزون .لكنّها المشاعر إن لم تُبْدها بالأحرف والعبارات خرجت رغماً عنك بالدموع والعبرات ، فما أقسى فراق الأحبة ، وما أقسى لوعة الوداع ويزداد الألم قسوة اذا علمت ألا أمل في اللقاء مرة أخرى .يعلم الله كم من الحزن خيّم عليّ لفراق عليٍ رحمه الله فله محبة وإجلال كنت معها أهابه ولا أجرؤ لمحادثته إجلالاً وإكباراً لشخصه ، مع حاجتي الماسّة لمخزونه المعرفي خصوصاً في التاريخ الشقراوي والبيوت والأسر الشقراوية وهآنذا أهابُ الكتابةَ عنه وكأنه أمام ناظري ، كنت أتمنى خدمته أو تقديم أيَّ شيءٍ له فيمنعني منه الحياء مع أنه اشتهر بلين الجانب وطيب المعشر ولكن هكذا هم الربانيون ، وهكذا هو حال الطلاب مع الأساتذة والأبناء مع الآباء ، نعم رحل علي الطويل ورحل معه أهم شيء ، أترون ما هو ؟ إنه عمله الصالح ، وسيدرك بإذن الله نفحة مهمة ، أتدرون ما هي ؟ إنها رحمة الله التي وسعت كل شيء ، ورحل وأبقى لنا نقطة مضيئة ، أتدرون ما هي ؟ إنها سيرته العطرة التي أرّثها ، وهي ما نحن بصددها ، فما أجملها من سيرة ، وما أبهاها من سريرة ، فهل سنستفيد منها ؟ أتته الوجاهة رغم أنفها ، فانزاح عنها ليتركها خلف ظهره ، فلو رغبها لكان في الواجهة لكنه آثر الظل على الظهور وآثر الصفوف الخلفية على الأضواء والبهرجة ، لم أر له مثلا في التربية ، فلقد صادق أبنائه ، واحتفى بجيرانه ، ووصل أقربائه وأقرانه وحتى من يصغره وأبنائه ، يسأل عن المريض ويحتفي بالسقيم ويجالس الصغير ويحنو على العامل الفقير ، فلا غرابة إن أحبّه الجميع ، كان وفيٌّا مع الكل شمل القاصي والداني الكبير والطفل ، ينقل لي كثير من معارفه ممن يصغرونه سناً أنهم يسوفون الاتصال به ، فيفاجئهم هو باتصاله رغم أنهم بمنزلة أولاده ، أذكر أننا أقمنا سباق إختراق الضاحية في الديرة القديمة فلما أخبره أبنائه بذلك قرر حضور انطلاقة السباق فكان مفاجأة المهرجان ، كل هذا من باب تشجيع العاملين والشد من أزرهم ، ومن عجائبه أنه لا يثقل على أبنائه ، فلقد وزع المهام بينهم ، وحتى لا يحرجهم لا يبادرهم بالطلب ، فأمره استفسار ورغبته اقتراح ، فإن فهموا وألحوا عليه أخبرهم بحاجته وإلا تركها ، كان باراً بأخته ، فمن المسلمات عند أبنائه وأهل بيته ، أن أول إنتاج المزرعة وأطيبه من نصيبها ، بل إنه من يحضر الخبز الحار وبصفة يومية لها لمعرفته بمحبتها له ، فأي قلب يحمل وأي عاطفة يكنّها ، فتح باب بيته عقب كل جمعة وبين العشائين من كل يوم وبعد كل عصر في مزرعته فيغشاه الكل يدنيهم لجانبه ويؤانسهم ببشاته ، كان باراً بوالدته فكانت في بيته هي صاحبة البيت حتى توفّيت رحمها الله ، وله مع زوجاته وفاء آخر فلم يطلّق في حياته أي زوجه ، توفيت الأولى رحمها الله ١٣٨٠هـ وله منها ثلاثة أبناء وابنتان ورغم وجود الأبناء وكثرتهم لم ترفضه النساء ، فتزوج الثانية وأنجبت له خمسة أبناء وابنتان وبعد وفاتها رحمها الله عام ١٤٠٢هـ لم يكن وجود الأطفال سببا ًفي رغبة النساء عنه بل تزوج بعد بوفاتها بشهرين ، حيث تزوج بزوجته الثالثة واستمرت معه أكثر من ثلاثة عقود وعندما ضعفت سمحت له بالزواج لأجل أن تستقل مع خادمتها عند أخيها ، وحيث أنه بحاجة لزوجة تؤانسه وتبادله أطراف الحديث فتوقع أنه لن يرغب به أحد من النساء ، حيث قد شارف على التسعين ، ولكن المعدن الطيب يشترى ، فتزوج بزوجته الرابعة ، صبرها الله على فراقه ، ومع زواجه بها ، هل نسي زوجت الثالثة ؟ لا بل كان يزورها ويقوم بشراء حاجتها ويدير أموالها ويسعى على مصالحها ، أما العبادات من صيام وقيام فحدث ولا حرج وله معها شأن آخر ، فلم يترك العمرة سنويا ًإلى آخر سنة من حياته ولم يترك المسجد وصلاة التراويح إماما إلا قبل وفاته بسنة وأشهر مع أنه استقال رسميا قبل ذلك فلم يتركهم بدون إمام فكان يختم القرآن مرتين ومع تخفيف الصلاة مؤخراً كان يختمه كاملاً من دون نقصان مع أنه يحدّث العصر وقبل العشاء ويقنت ولا يستعين بأحد ، ويذكر لي أحد أبنائه فيقول : أن القرآن كان جليسه فما ندخل عليه إلا وهو في يده ، لذا كان يختمه كل إثنين وخميس حيث ترفع الأعمال إلى الله .

تلك جوارح حفظها في صباه وشبابه فحفظها الله له في شيخوخته وهرمه حيث نشأ في طاعة الله ، فيذكر عن نفسه أنه لا يذكر أنه عصى الله بفعل أو قول متعمد ، من غريب قدر الله أنه كان وحيد والده ووالده كان وحيد جده من الذكور ، حيث كاد أن ينقطع نسلهم ، فرزقه الله ثمانية من الأبناء وأربع من البنات كلهم جميعا لهم ذرية وأحفاد وأسباط ، فبعث الله به ذكرهم وأحيا به عملهم.

مهما استفضنا عنه رحمه الله فلن نوفيه حقّه ولكنها دعوة للإقتداء بالأنقياء ونشر سير الأعلام النبلاء .

بواسطة : admincp1
 0  0  1.8K


جديد المقالات

بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...


بواسطة : سعد بن فهد السنيدي

. (الوجهاء والأعيان) مصطلح شائع تتداوله الألسن...