.
.
"يشهد الله أن وقفة يوم على الحد الجنوبي تمر كالساعة أو أقل، بل أن هناك من يتمنى البقاء مدى الحياة" .. كلما ارجع لتلك الكلمات التي قالها الملازم فواز العنزي أحد أبطال الحد الجنوبي أحس بجسدي ينتفض ويرتعش وأنا أتخيل هذا البطل الشجاع، وهو يقاتل مع زملائه ضد المتمردين ثم يُصاب بطلقة في فخذه، ثم بطلقة أخرى في بطنه، وبدلاً من أن يتراجع تحت وطأة الألم إذا به يصمد في مكانه ليساعد زملائه والدم لا يتوقف عن السيلان، ثم لا يستجيب لنداء زملائه بالعودة أو إخلاء مكانه، ولا يثنيه عن ذلك سوى أن زميله الذي كان يحرص على إخلائه استُشهد من خلفه، (رحمه الله)، وهو ينادي على زملائه كي يخلوا العنزي.
وليس العنزي وحده الذي تمتلأ قصته بجميل التضحية، فلدينا قصة أخرى بطلها وكيل رقيب متعب أحمد العلياني الذي أُصيب بطلقة في عينه اليمنى، وهو يحاول الدفاع ووقاية زملائه في أرض المعركة، عندما رأى أحد قناصي المتمردين وهو يوجه سلاحه إليه وإلى زملائه، ثم يطلق رصاصة ضربت باب العربة التي يستقلها العلياني ثم ارتدت باتجاه عينه، ورغم كمية الألم التي شعر بها، إلا أنه أصر على ردع القناص، وقام بتلقيم رشاشه بالذخيرة، ورد عليه هجومه، ولم تثنه عن ذلك أيضاً صرخات زملائه فيه بالتراجع، ولا الدماء التي تسيل من عينه، لأنه كان يؤمن بأن تراجعه سيمنح القناص والمتمردين فرصتهم لإيقاع خسائر كبرى في المجموعة كلها، وهو ما لم يسمح به ، حتى لو أدى ذلك لمقتله.
أعلم بالطبع أن هذه قطرة من بحر البطولات الكبرى التي يشهدها الحد الجنوبي كل يوم، لكن أجد نفسي سعيداً بهمم هؤلاء الأبطال وتضحياتهم في سبيل الله ثم الوطن، وأتمنى من رجال الأعمال والاقتصاد في بلادنا أن تكون لديهم مبادرات نوعية لتكريم كل هؤلاء الأبطال، وتقديم كل ما من شأنه أن يؤكد لهم أن المملكة كلها تقف معهم وتؤازرهم، كما فعلت "الخطوط السعودية" عندما أعلنت عن تخفيض التذاكر الخاصة بأبطال الحد الجنوبي بنسبة 50%، إضافة إلى اتخاذها عدة خطوات أخرى كاستحداث رحلات لم تكن موجودة من قبل ما بين جازان وتبوك وكذلك جازان وحفر الباطن، وتخصيص اماكن خاصة لخدمة منسوبي القوات المرابطة بمطار الملك عبد الله بن عبد العزيز بجازان والمطارات الأخرى، فضلاً عن افتتاح مكتب خاص للخطوط السعودية داخل مقر قيادة قوة جازان، لتسهيل مهام وإجراءات المرابطين، وتقديم الخدمات لهم.
هذا وغيره هو ما نأمله من جميع مؤسساتنا وشركاتنا العاملة، وهو أقل ما يمكن تقديمه لمن يضحون بأنفسهم في سبيل أمن هذا الوطن، واستمرار رفعته وتقدمه، ونسأل أن يعين أبطالنا، ويتغمد برحمته الشهداء منهم، ويجبر كسر مصابهم، ويُنزل سكينته على أهاليهم، فهم فخرنا، وفخر كل من يحيا على أرض هذا الوطن الغالي علينا ً؛ وعلى كل المسلمين.
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم