• ×

05:47 صباحًا , السبت 5 أكتوبر 2024

ماهر بن محمد البواردي
بواسطة  ماهر بن محمد البواردي

خطبة الجمعة.. بين النُّعاس والمَلل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.
.
.
قبل ما يزيد على سنة، كُنتُ مدعوًّا لوليمةٍ في منطقة صحراوية، وكان يوم جُمعة، وحرصت على مغادرة المنزل مبكّرًا لكي أصليّ الجمعة في مسجد هجرة صغيرة قرب قرية (ثاج) بالمنطقة الشرقية.

دخلتُ الجامع، وكان كبيرًا، ويتسع لما يزيد على 700 شخص. ثم صعد الخطيب المنبر، وبادرنا بالسلام وأذَّن المؤذن. وقبل أن يبدأ كُنتُ أقول في نفسي: متى ستنتهي الخُطبة (بسبب الملل الذي أعيشه مع خطيب جامع حارتنا)، وبدا الخطيب بشوش الوجه دون ورقة مكتوبة.. حيث كان يخطب وكأن الكلام مكتوب أمامه.

بدايته شدَّتني تمامًا، حيث قال: تحدثنا قبل أسبوعَين عن حق الله "عز وجل"، والأسبوع الماضي تحدثنا عن حق الرسول "صلى الله عليه وسلم"، واليوم خطبتنا عن الحق الثالث حسب الترتيب، وهو برُّ الوالدين (وهنا ازداد تركيزي أكثر، بعنصر التشويق والربط فيما تحدث عنه وفيما سيتطرّق إليه).

بدأ الخطبة، وكان صوته يعلو وينخفض حسب أهمية العبارات. ويقف بصمت، حيث يكون الصمت جزءًا من التدبُّر، ويُكرِّر بأكثر من صياغة للمعلومة الأهم، وكان أسلوبه مشوِّقًا وهو يسرد الآيات والأحاديث وأبياتًا من الشعر، وقصصًا ذات علاقة.

وانتهت الخطبة الأولى وأنا في شوق للخطبة الثانية.. وعندما بدأها.. كان التركيز في قِمّته.. تمنّيتُ لو أن أبنائي كانوا معي.. كما تمنيتُ ألا تنتهي الخطبة.

وصلَّى بنا.. وربط الخطبة بالآيات التي قرأها في كل ركعة.. وتمنيتُ ألا تنتهي صلاة الجمعة إلا عند غروب الشمس.

معظم الحضور في الجامع هم من رعاة الماشية، والعاملين في تلك المناطق الصحراوية، كم أغبطهم على ذلك الخطيب.

غادرتُ الجامع متوجِّهًا لمُضيفنا، وكان الحديث عن ذلك الخطيب وخطبته، وكان شعوري هو شعور كلّ مَن كانوا في تلك المأدبة (وجميعهم صلّوا الجمعة بنفس الجامع)، وقال لي أحدهم: أعرف هذا الخطيب، فهو مصري أزهري متمكّن، فقلتُ له: لو لم تكن المسافة بعيدة جدًّا لصلّيتُ عنده كل جمعة.

انتهى حديثي عن تلك الخُطبة وذلك الخطيب.

وسؤالي لبعض الخطباء لدينا دون تحديد مدينة أو منطقة: هل خطبة الجمعة بالنسبة لهم مجرد تحليل للراتب، أم أنها جزء من واجبات المسجد تجاه المجتمع والأسرة. وذلك ما لا يعيه البعض، فالجمعة الماضية صلّيتُ في مسجدنا المعتاد، وخطيب يقرأ الخطبة من ورقة وكأنها نشرة أخبار، ونبرة صوت واحدة تجعل النعاس يغلب عليك، فقد أورد فيها مفردات دينية بحتة لا يفهمها العامة من الحضور، على سبيل المثال (الحوقلة، ويحوقل)، وهي بالمناسبة تعني قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

وخطيبنا هذا اعتاد على قراءة سورتَي الأعلى والغاشية في كل جمعة، وخطَبُه كلها تتركّز على العقيدة، ونسي أو تناسى المجتمع وهمومه ومشاكله، كما نسي أن هناك بابًا كبيرًا اسمه "فقه العلاقات الإنسانية والاجتماعية"، فقد أحضرنا أبناءنا لكي يستفيدوا من الخطبة لا أن يعبثوا برسمة السجاد أو هدبه المنفلت.

ولم أشهد في حاضرنا هذا أن رأيت خطيب جمعة ينهر أحد المتخطّين رقاب المسلمين أثناء خطبته، أو أشار فيها لتوعية البعض بركن سياراتهم بطريقة صحيحة لا تؤذي الآخرين، وصفّ نعالهم بطريقة مرتَّبة، فالدين ليس صلاة وحسب.

تمنّيتُ أن أسمع خطبة يكون محورها: كيف يُذاكر الطلاب بطريقة صحيحة، وكيف تقضي أوقات فراغك فيما يُفيد، وكيف تعمل بإخلاص في عملك وتتجنب الفساد، وكيف تقود سيارتك بطريقة تُقدِّر فيها حرمة الطريق.

وخلاصة القول: نحتاج لخُطبٍ كثيرة عن الذوق العام، فهي ما نحتاجها أكثر.. أربعون سنة وأنا أستمع لخُطب العقيدة، وكأنهم يخشون علينا أن نرتد عن الدين (والعياذ بالله)!!

نريد خُطبًا عن حياتنا الاجتماعية الأسرية والعامة.. فخطبة الجمعة هي درس أسبوعي للمجتمع، وليست منبرًا لممارسة فنون البديع والمفردات الصعبة.. بل إنه من البلاغة والفصاحة أن تُخاطِب الناس بما يفهمون.


سألت صديقًا لي "وهو ملتزم": ما رأيك في خطيب جامعكم؟ فقال لي: لا أعلم.. فأنا أغفو في معظم خُطبه..!!

لماذا لا تكون خطبة الجمعة مادة جميلة نتهافت عليها مبكّرين، لماذا لا تكون متماشية مع الحدث، نحتاج لأن يكون المسجد منبرًا تعليميًّا تثقيفيًّا.

أعلم أن هناك خطباء على درجة كبيرة من العلم والكفاءة، ونقدي في مقالي ليس فيه تعميم على الجميع، ولكنه مقال ظل يدور في رأسي منذ عام.. وقرَّرتُ أن أسجّله.. لعله يساهم في تغيير هذا الواقع الذي نعيشه.. لما يُفيدنا ويُفيد أبناءنا.

والله الموفق...

بواسطة : admincp1
 0  0  1.6K


جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...