• ×

12:00 صباحًا , الثلاثاء 3 ديسمبر 2024

الدكتور: عبدالعزيز عبدالله البريثن
بواسطة  الدكتور: عبدالعزيز عبدالله البريثن

صراع الحضارات أم صراع الأجيال

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
.

في أوائل التسعينيات من القرن الماضي ظهر علينا المدعو "صامويل هنتنجتون" بفكرته الغريبة (صراع الحضارات) التي أثارت جدلاً واسعاً في ذلك الحين، ربما لقرب هنتنغتون من دوائر صنع القرار في الحكومة الأمريكية، حيث عمل مستشاراً لنائب الرئيس السادس والثلاثون (ليندون جونسون)، ثم بعد ذلك مخططاً أمنياً للرئيس الأمريكي الشهير "جيمي كارتر" (الرئيس التاسع والثلاثون). لكن هذا ليس مبرراً على نضج أفكار كل من أقترب من صانع القرار بدليل أن هذه الأفكار مضى عليها الان قرابة ثلاثة عقود ولم تظهر أي بوادر لصدق تلك الأفكار أو حقيقة تلك الرؤى.
هناك من يؤمن بنظرية الصراع ويريد أن يمررها باتجاه الأجيال داخل المجتمع الواحد، وهذه مغالطة لا تعدو أن تكشف عن فكر ضيق الأفق. فالوضع الطبيعي أن ترفض أفكار "صامويل هنتنجتون" ولكن لا يرفض جيله بالكامل.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي كنت وأبناء جيلي ننعم بخيرات الوطن الغالي، حيث كنا نذهب إلى المدرسة الابتدائية (مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب) التي شيدتها شركة إيطالية جلبت لمدينة شقراء لذلك الغرض. كان المبنى فريداً من نوعه، الأبواب من الزجاج، والأجدر عبارة عن صفائح معزولة. وفي كل فصل دراسي مكيفين للشتاء والصيف، بينما صممت دورات المياه والبرادات لتكون بين الممرات الجانبية المؤدية للمكتبة وقاعة التربية الفنية ومسرح المدرسة. أما فناء المدرسة فيحتوي على ثلاثة ملاعب كبيرة مزروعة صناعياً، مع ساحات مكسوة بالحجارة الصناعية. كنا نحصل على تغذية يومية متنوعة وصحية أتذكر منها "الزبيب" المعروف بغلاء ثمنه وفوائده الصحية، فقد كان يوضع في أكياس صغيرة نأكله بعد الفراغ من الوجبة (حلى). عرفنا فيما بعد أن التغذية المدرسية من توصيات الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه. لا يمكن نسيان الكسوة السنوية التي كانت عبارة عن لبس رياضي كامل، حيث نستخدم تلك الكسوة أثناء حصة التربية البدنية. في تلك المدرسة الجميلة تعلمنا مبادئ العلم وأساسيات الحياة على يد نخبة من جيل رائع من المعلمين، ممن يحملون علماً وأدباً تربوياً وحساً وطنياً عال المستوى. كانت مادة الرياضيات (البعبع آنذاك) هي الحصة الثانية وبعدها راحة الافطار (الفسحة الطويلة). كان معلم الرياضيات "الأستاذ سعد المهنا" لا يغادر الفصل بعد قرع جرس انتهاء الحصة إلا بعد الاطمئنان من أن الجميع فهم ما شرحه في ذلك اليوم.
بعد أن تقاعد الأستاذ سعد بسنوات طويلة قدر لي أن ألتقي به في أحد الجلسات الودية. لم يتغير شيء على محياه المشرق سوى بعض التجاعيد التي تركها الزمن على وجهه البشوش. كنت تواقاً جداً أن أسمع شيئاً من حديث الأستاذ سعد بعد ذلك الفراق الطويل. لم يتكلم عن قوانين "التفاضل والتكامل"، ولم يتحدث عن حياة التقاعد أو مهمة التعليم الشاق الذي تحمله طيلة ثلاثة عقود من الزمن. كما لم يثرثر عن كأس كرة القدم أو الدوري الإنجليزي! ولا عن عذوبة صوت وردة الجزائرية أو ميادة الحناوي! كان حديثه هادئاً تناول فيه أهمية حب الوطن، وضرورة اللحمة الوطنية. خرجت من المجلس وأنا أقول في نفسي لله درك يا أستاذ سعد ستموت وأنت معلم، فقد علمتنا حينما كنا صغاراً في المدرسة الابتدائية واليوم تعلمنا في الملتقيات الاجتماعية.
جيل الأستاذ سعد يستحق تقديراً خاصاً على الرسالة التي حملها وتحملها. أنا وأبناء جيلي نشعر بالتقصير في شكر تلك النعم التي حبان الله إياها ومن بينها تقدير جيل الأستاذ سعد الذي يذّكرنا دائماً بالوفاء للوطن. هذا هو الماضي المجيد، ومن يزدري التاريخ لن يستطيع أن يبني المستقبل.

 0  0  1.2K


جديد المقالات

بواسطة : الإعلامي الدكتور : فلاح الجوفان

. تجلت الإنسانية في أبهى صورها ، عندما تعرض "...


بواسطة : عبدالعزيز عبدالله البريثن

. آه .. ويح من فقد أمه، ولم يقبلها في ضحاه، أو...